الاثنين، 23 سبتمبر 2013

في المطار (الطبعة الثانية - منقحة ومزيدة) - الحلقة الاولى


الساعة السابعة مساء
 مازال امامي ثمان ساعات قبل ركوب الطائرة
الصالة رقم3 التي اجلس فيها منظمة وأنيقة لدرجة تشعرك انها ليست في مصر
شئ مزعج ان تشعر ان كل ماهو نظيف ومنظم ليس في مصر
مزعج لكنه منطقي
الصالة بها مكانين للانتظار مجهزين بمجموعة من المقاعد المريحة احد المكانين في نهاية الصالة والاخر الذي اجلس فيه في المنتصف 
المقاعد موضوعة في مواجهة بعضها البعض ولكني جلست بحيث يكون وجهي ناحية باب الدخول لأتمكن من ممارسة عادتي الاثيرة في المراقبة والتأمل 
كانت الواجهة الزجاجية للصالةعلى يميني بينما مكاتب شركات الطيران وبوابات التفتيش والجوازات وبوابات ركوب الطائرة على اليسار.
مضي وقت طويل لم امارس خلاله هذه العادة 
كنت اثناء اقامتى في القاهرة اذهب لمحطة مترو جمال عبد الناصر واجلس هناك اراقب المارة والعابرين 
من ملامحهم وتعبيرات وجوههم اتوقع حالتهم النفسية واتخيل حياتهم ووجهاتهم
ذلك الشخص المتأنق المبتسم الذي تبدو عليه السعادة لابد انه ذاهب لمقابلة حبيبته التي ولسبب لايعلمه يظن خطأ انه سيتزوجها
وتلك التى تجر خلفها ثلاثة أطفال مكفهرة الوجة لابد انها عائدة من بيت والدها
 عائدة لهم الطبيخ والغسيل وطلبات زوجها التي لا تنتهي
كنت أجلس هكذا متسمرا في مقعدي لساعات طويلة شاردا في احوال الناس وقصصهم التي لاتنتهي 
وبمرور الوقت اشعر اني غير مرئي تعبرني العيون كاني جزء من ديكور المكان اعتادوه او ربما لم يروه من الاساس
                                                        ---------------------------
على اليمين امامي تجلس امرأة متصابية في الاربيعينات من عمرها
اطنان المكياج التي غطت بها وجهها والوان ملابسها الزاعقة والغير متناسقة توحي انها محدثة نعمة ذوقها ردئ
المح علي وجهها اثار حرق قديم لم تنجح المساحيق في اخفائه
تتظاهر باللامبالاة والثقة و تقتل الوقت بتعديل وضع حجابها الذي ينحسر متعمدا كل دقيقة 
كاشفا عن خصلات شعرها الامامية المصبوغة بصبغة رديئة
على الرغم من تظاهرها بالعكس الا ان جلستها وحركاتها ونظراتها تشي برغبة شديدة في لفت الانظار وجذب الانتباه
يبدو عليها الحزن الممزوج بيأس غير قابل للأمل
أسرح بخيالي وافكر انها قد تزوجت متأخرة بعد ان تخطت الثلاثين
تقدم لها رجل في عمر والدها متزوج وله خمس بنات لكنه يرغب في الولد
غني 
سافر الى الخليج قبل عشرون سنه كون خلالها ثروة كبيرة وكرش ضخم والان يبحث عن وريث
سنه الكبير وفكرة الزوجة الثانية جعلاها ترفض من البداية وازداد رفضها بعدما راته
كرشه الكبير الذي يمشي أمامه حيث ذهب
نظرته اللزجة
طريقتة في الحديث بتلك اللهجة الكريهة التي يتحدث بها المصريون المقيمون في الخليج حيث يقحمون الكلمات الخليجية في حديثم ولكنهم ينطقونها بالطريقة المصرية مما يجعل حديثهم يبدو ممسوخا ومنفرا
كل هذا جعلها تصر على الرفض
لكن والدها كان يعتبر الامر فرصة لن تعوض ..

 - بنتك عدت التلاتين وفقيرة وشبه مشوهه كات فاكره من هيتقدم لها؟ ابوتريكة؟
 - أصلها كانت بتحلم بـ....
 - بتحلم!!!؟؟ الفقرا اللي زينا ما بيحلموش اللي يتحط قدامهم ياخدوه .. وبعدين بصراحة دي فرصة لينا كلنا الراجل عايزها بشنطتها وكمان هيدفع مهر عشرين الف جنية نجهز بيهم اختها
 فوقي وفوقيها ..

اخترقتها كلماته كرصاصات 
اجتاحتها 
كأن أحدهم القمها حجرا صلبا وحادا يمزق احشاءها
لم تغضب منه 
انه لم يفعل أكثر من أنه قال الحقيقة
قالها كما هي خشنه ومدببة وقاسية
كل ما فعله انه عراها 
خلع عنها ملابسها ومكياجها وأكاذيبها واوهامها ثم وضعها امام المرآة 
تحسست الحرق الذي يحتل نصف وجنتها اليسرى ممتدا الى الرقبة ونظرت لنفسها في المرآة وهي تفكر
متى لم تكن الحقيقة قاسية 
حقيقة البشر وحقيقة الحياة
وحقيقتها

(موافقة)
قالتها بلهجة حيادية باردة
ثم دخلت حجرتها واغلقت الباب واستسلمت للبكاء
______
ثلاث سنوات من العذاب مروا كالدهر
خمس محاولات فاشلة واخيرا استسلموا وايقنوا من عدم قدرتها على الانجاب بعد ان اجرت عملية لاستئصال الرحم
حاول تطليقها وارسلها فعلا لبيت اهلها في مصر
لكن والدها الذي اصيب بالذعر توسل لكل معارفه لاثناؤه عن الطلاق
حسبها الزوج بعقلية تاجر الاجهزة الكهربائية البخيل ووافق بشرط الا يكون لها بيت منفصل وتسكن معهم في بيت الاسرة
أعادها وبعد اسبوع طرد الخادمة الفلبينية
منذ عودتها لم ينظر لها ولم يحدثها 
الجميع يتحاشونها ويتجاهلونها كانها غير موجودة 
طيف اوشبح غير مرأي
"مروحة اشتراها ثم وجدها لا تعمل لم يستطع اصلاحها ولا التخلص منها"
هكذا تحدث عنها مع احد اصدقاؤه
 وهكذا تشعر هي
وحدها "سمية" ابنته الوسطى هي التي تخفف عنها 
الفترات التي تقضيها معها في حجرتها لتحكي عن مغامراتها اليومية في المدرسة او تنقل لها اخبار الفيس بوك الذي لا تعرف عنه شيئا كانت سببها الوحيد للبقاء على قيد الحياة
كانت دائما تخفف عنها وتواسيها اذا اساء لها والدها أو والدتها  وكانت تستمع لشكواها في صبر وتحضنها بحنان حقيقي لم تجده من احد سواها
الاسبوع الماضي تزوجت سمية
في اليوم التالي  للفرح سافر الاب ليلحق باعماله واخذ معه بقية الاسرة
;كانت هي التي حففتها وهي التي شرحت لها ما يحدث ليلة الدخلة 
وهي التي بقت لترعاها في اسبوعها الاول من الزواج ولم تتركها الا بعد ان احتفلوا بسابعها معا
بقدر ما فرحت لها بقدر ما شعرت بالرثاء لنفسها
وهاهي اليوم تعود الى الخليج
ولاول مرة ستدخل البيت ولاتجد سميه
لتجلس هناك في حجرتها 
وحيدة
 ومهملة
ـــــــــــــــــــــ
يتبع......

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

|البحث عن الكلمات

كنت قد قررت أن ابتعد قليلا عن الاحداث والمهاترات الدائرة , وقاطعت التلفزيون تماما والنت الا قليلا لكن ميليشات مبارك أبت الا أن تعيدني بقوة الى قلب الاحداث تعيدني مفجوعا ومكلوما وغير قادر على التعبير

لم استمع لأي خبر منذ مساء الخميس وحتى صباح السبت عندما فتحت الفبس بوك ففوجئت بالاخبار والصور والفيديوهات ....

في الوقت الذي كنت استمتع بقراءة رواية في الدفء في غرفتي كانت ميليشيات مبارك تقتل وتسحل أشرف من أنجبت مصر ياللعار كيف أستطيع أن اسامح نفسي ,

الجمتني الصدمة ولم أكتب أي كلمة عن الموضوع حاولت كثيرا ولكني فشلت...أعلم انها ليست المرة الاولى ومن الواضح انها لن تكون الاخيرة ولكني هذه المرة عاجز تماما عن الكلام ..حاولت أن اعلن تضامني ...أن أشتم ....أن أعدوا في الشوارع صارخا "آآآآآآه....آآآآآه....أو هاتفا..احنا مش عبيد ياولاد الكلب إحنا مش عبيد ياولاد الكلب.... لكني وجدت كل الكلمات مكررة ومبتذلة وباعثة على التقزز من كل شئ


لا يوجد أي توصيف متاح ..كيف يمكنني ان أعبر بالكلمات عن مشاعر والد علاء طالب الطب الذي استشهد بالامس على يد كلاب طنطاوي المسعورة ,كيف يمكنني أن أصف مشاعره الليلة حين يذهب الى حجرة ابنه الحبيب ليشد عليه البطانية كما تعود كل ليلة فلا يجده , كيف أصف مشاعر أم علاء عندما تعد له فنجان القهوة ليساعده على المذاكرة فتجد مكتبه خاليا وباردا وموحشا , كيف يمكن أصف مشاعر صديقه الذي يحجز له مكانا بجانبه في المحاضرة ثم ينتظر وينتظر وتنتهى المحاضرة ولا يأتي علاء أبدا ,كيف أصف مشاعر زوجة الشيخ عماد عفت التى لن يأتي زوجها الليله بوجهه الباسم البشوش ليوقظها لصلاة الفجر لا هذا الفجر ولا أي فجر قادم , خلاص من الان فصاعدا لا يوجد من تسأله ماذا سيأكل على الغذاء ولامن تكوي له جلبابه الابيض صباح الجمعة ولا يوجد من تنتظره حتى تشتكي له من شقاوة البنات.. من الآن عليها أن تدبر أمورها بنفسها, وحتى البنات أنفسهم لن يدخل عليهم اباهم بأكياس الفاكهة ولا بالشيكولاته التي يحبونها, وفي حفل نهاية العام الدراسي ستذهب كل زميلاتهن بصحبة آباؤهم وامهاتهم إلا هن ستصحبهن أمهم فقط ..وعندما تسألهن المدرسة متوددة بابا فين يا حبايبي سيجبن ببراءه وانكسار ..بابا مات....

..مات لأن هناك حيوان قذر ابن ستين كلب قرر بمنتهى البساطة أن يقتله.

هل يمكن ان أصف بحروف جوفاء مشاعر والدة احمد صالح المصاب أصابات خطيرة وهي ترتعش من البرد والخوف في ردهة المستشفي ويكاد قلبها يتوقف كلما خرج أحد من غرفة العناية المركزة خوفأ أن يخبرها بالخبر المشئوم..شدي حيلك يا حاجه ..أحمد خلاص ...

لن تضميه في حضنك مرة أخرى لتمنحيه الحنان الذي كان يعينه على قسوة الحياة والفقر...

لم يعد هناك من يقبل يديك كل صباح

ولا من يصحبك للطبيب

ولا من تقولي له مشفقة على أحواله المادية "متجبش الدوا كله"

فيمنحك ابتساة دافئة ويرد"صحتك أهم من فلوس الدنيا"

سيمكنك من الليلة أن تنامي مبكرا ياحاجه فلم يعد هناك من تسهري لتطمئني علي عودته...

مات وحيدك وانيسك ..

مات لأنك أحسنت تربيته

مات لأنه كان رجلا وحرا

لاتندهشي يا ام أحمد ففي مثل هذه الايام السوداء التي نعيشها لا يموت الا الرجال والاحرار..

اما العبيد وأنصاف الرجال والمخنثين فلا يموتون سيعيشون طويلا و سيطلون عليكي الليله وكل ليلة من شاشات التلفاز ليحللوا ويبرروا ويخبروك بكل وقاحة وانحطاط أن ولدك وضناكي وكبدك وكذلك الشيخ عماد والدكتور علاء وكل الزهور التي ذبلت قبل أوانها ليسوا أبطالا ولا شهداء كما تظنين انهم بلطجية وجواسيس وعملاء...لا تندهشي لأنهم لم يكتفوا بقتلهم ولم يكتفوا بحرقة قلبك وقلوبنا عليهم وقرروا أن ينبشوا قبورهم ليقهرونا ويميتونا كمدا وغيظا

لا تندهشي إطلاقا فمن يمثل بالجثث ويلقى بها في الزبالة يمكنه ان يفعل ويقول أي شئ

ثم كيف اصف هذا الكم الهائل من الأسى والحزن والمرارة الذي أصبح يعشش في آلاف البيوت المصرية التي فقدت أحباءها أو أصيب ذويها بعاهات مستديمة وفقدوا نور أبصارهم.. أي كلمات مثلا يمكن أن ترضي ابنة احمد حرارة عندما تسأله بنبرةحزينه لماذا لم يعد يذاكر معها ولم يعد يبني لها بيتا من المكعبات كما تعودت

هل سيرضيها ان نقول لها بابا يا حبيبتي فقد بصره بس حافظ على كرامته وحريته. (هل حافظ عليهما حقا؟)

بابا انبل واطهر من ناس كتير عندها عينين ونياشين ورتب بس معندهاش ضمير ولا قلب...

هل سترضيها او تقنعها اوتعوضها تلك الكلمات؟ .

كل الكلمات تقف عاجزة عن التعبير كل الكلمات الان تبدوا مبتذله وسخيفة...حتى هذه الكلمات.

وعلى الناحية الاخري كيف يمكن أن أصف من قرر ومن نفذ بهذه الوحشيه وذلك السعار؟,كيف هبط الجندي المصري الى هذاالانحطاط والوحشية؟ كيف يمكن اصف ذلك الكائن الذي له شكل البشر الذي ضرب إمرأة فوق الستين بالعصا وبالشلاليت؟ وكيف سولت له نفسه هذه الفعلة الدنيئة؟ أي كلمات تعبر عن قذارة ووضاعة ذلك الضابط الذي خلع حجاب الفتاة وعراها وسحلها من شعرها؟أو ذلك الذي وقف يتبول على المتظاهرين؟ أي كلمات يمكن ان تعبر عن مشاهد الضرب الوحشي والغير آدمي الذي تعرض له الشباب والشابات الذين سقطوا على الارض أثناء محاولة الهروب فتجمع علي كل واحد منهم أكثر من ستة أو سبعة كلاب مسعورة إنهالوا عليهم ركلا وضربا بالعصا في كل انحاء اجسادهم برغم انهم لم يقاوموا

ولم يتركوهم الا بعد أن اصبحوا جثث بلا حراك

ثم مر عليهم كلب آخر يقلب المساكين بالعصا وكانه يتفقد كلب ميت فاذا شعر منه بأي حركه انهال عليه مجددا بالعصا حتى يفقده الوعي أو يقتله لا يهم.

كيف يمكن أيضا أن أصف تلك الكائنات الغريبة التي تبرر هذه الافعال وتؤيدها ثم تطرش في وجوهنا عبارات مقززة كالقئ من عينة.. احسن!!...عشان يتربوا!!... أو يتحدثوا عن السيدة أو الفتاة قائلين..إيه اللى نزلها؟؟

كيف يوصف هؤلاء ؟وهل يكفي أن نجيبهم أن تلك الفتاة نزلت لأنها ببساطة أرجل منك ومن أمثالك أوهل يكفي أن نطلب منهم أن يبتلعوا طراشهم ويذهبوا لمشاهدة توفيق عكاشة ليتبول في أمخاخهم كما تعودوا؟

وأي كلمات تصف مؤتمر الدعارة الاعلامية الذين عقده الشايب العايب ليخبرنا ان الجيش لم يستعمل العنف؟

ياخي..(تيييت).. تسعة ماتو وتلتميت مصاب وما استعملش العنف...امال اللي شوفناه ده ايه الكاميرا الخفية..

ماهذا العبث الى هذه الدرجة الاستهتار بنا وبعقولنا..ألم تتعلموا الدرس..لقد ثرنا على المخلوع وعصابته ليس لأنهم يسرقوننا فقط ولكن لأنهم لم يحترموننا بل وكانوا يحتقروننا ...

حين كان يخرج علينا احد كلاب العصابه القديمة لينكر أي تزوير أو فساد كان الدم يغلي في عروقي لأني أعلم أنه يعلم تمام العلم اننا شاهدنا التزوير والفساد بأعيننا وأننا لا نصدقه ولكنه يخرج علينا بمنتهى البرود ليخبرنا بعكس ما نراه لأنه متيقن أن أحدا لن يجرؤ أن يقول له ..أسكت....أسكت ياكداب يابن الواطي ياكلب...

وهاأنتم تخطئون نفس الخطأ وكأنما عميت أبصاركم وقلوبكم.

واخيرا كيف أصف مشاعري أنا وحنقي انا وعضبي انا وغيظي وقهري وحزني وألمي وجرحي ومرارتي وإحباطي أنا أي كلمات يمكن ان تخفف من الغضب الذي يعوي بين جنباتي ومن الاسى الذي ينهشني والنار التي تكوي قلبي على الورد الذي ذبل قبل الاوان ليمنحنا نحن الحياة...ومن سيجيب على كل تلك الاسئلة التي تكاد تفتك بعقلي

كم شهيد يجب أن يقع حتى ننال حريتنا ؟فليخبرنا مجلس الشؤم كي نقدم له القربان وننتهي .

الى متى ستظل مصر تنزف اطهر وانبل دماؤها ؟

الى متى ستظل أرواحنا وعزتنا وكرامتنا مستباحة ومرهونة بقرار يتخذه رئيس أو مشير؟

والى متى سيجد القتلة من يبرر لهم أفعالهم الوحشية والدنيئة؟

والى متى سيستمرون في اعتبارنا مجموعة من الخراف والنعاج التي يجب ان تساق بالعصا والرصاص والغازات السامة؟

والى متى ستستمر هذه الفترة اللعينة؟

والى متى سأظل اكتب مثل تلك الكلمات؟

والى متى ساذيل كلماتي بتلك العبارة



"هذه كلمات حقيقية دم طازج ينزف من جرح عميييييييييييييييييييق كتابتها كانت بديلا عن الانفجار"

الأحد، 4 ديسمبر 2011

ذكريات تداعب الذاكرة3

"بيت عمتي"
أدخل غرفتي الجديدة فيصفعني لون جدرانها الاصفر الشاحب ويثير في قلبي الانقباض ,القي بحقيبتي بلا مبالاة وابدل ملابسي على عجل ووخزات البرد تكاد تفتك بي اغوص بسرعة تحت البطانية باحثا عن الدفء واتقلب في السرير بلا فائدة...أهدأ قليلا واستقر على جانبي الايمن محملقا في فراغ الحجرة الصغيرة الخالية من الاثاث عدا دولاب صغير يطل على من ركنها في شماته مذكرا اياي بوحدتي واحباطي ثم سرعان ما يبعث في لونه المعدني مزيدا من الشعور بالبرد والغربة...اغطي وجهي بالبطانية واحكم الغطاء تحت قدمي كعادتي وأبدأ التجول في أروقة الذاكرة بحثا عن ذكري ما تبدد ذلك البرد القاتل وتبعث الدفء في قلبي...دون تردد اتجه نحو الركن الذي خبأت فيه بمنتهى العناية أعذب وأسعد ذكريات الطفولة..ذكرياتي مع بيت عمتي
تسكن عمتي في الزقازيق التي تبعد عن قريتنا الصغيرة بحوالي ثلاثين كيلو مترا تقريبا ..
في هذه القرية نسكن في مبني واحد أسرة أبي في الطابق الثاني وأسرة عمي في الطابق الارضي ويلاصق المبني بيت جدتي العتيق الذي تشع الحياة من كافة أركانه
ظلت أسرة عمتي تزورنا كل خميس بانتظام لسنوات طويلة.... كل خميس تشرق علينا كشمس شتوية دافئة وهادئة وحنونة ومبهجة ثم بدأت الخمسان تتباعد رويدا رويدا بمرور الوقت حتى كادت تنقطع الى ان انقطعت بالفعل بوفاة جدتي في نفس العام الذي دخلت فيه امريكا الى العراق, واصبحت الزيارات بعدها متقطعه ومقتصرة على الاعياد والمناسابات وان ظلت محتفظة بالدفء والانس والبهجة
كان الخميس الذي يزورونا فيه يوما مميزا ويبدا الاستعداد له من الصباح الباكر وربما قبلها بيوم فلابد أن نتأكد من وجود الجبنة الفيتا ونوصي على شراء العيش الفينو لأجل العشاء والافطار لأن محمد لا يأكل من خبزنا الفلاحي اما الغداء فلابد أن يحتوي على ملوخية وفراخ بيضا أيضا لأن محمد تقريبا لا يأكل غيرها وأحيانا أذهب لأمي عزيزة العريضة (هكذا كان لقبها) لتأتي لطهو الكسكسي وذبح دكر البط الذي تلقي معاملة الملوك طوال الاسبوع الماضي تمهيدا لتقديمة في تلك الوليمة.
تستفيد امي أيضا من زيارة عمتي فعمل الواجب المدرسي فور العودة من المدرسة حتي لا يشغلني شئ عن الجلسة العائلية مساءا هو حجة قوية وسماع الكلام حتى لا تشتكيني لعمتي هو أيضا حجة مقنعة وحتى عدم لعب الكرة حتى لا تتسخ ملابسي قبل أن تراني عمتي والولاد(اشارة الى احمد ومحمد)هوأيضا حجة في غاية الوجاهة وحده الاستحمام في الشتاء هو الذي كان يلاقي اعتراضا كبيرا لا يلين حتى تحت تهديد الشكوي لعمتي مما يضطر أمي ان تهتف باستسلام"طب تعال امسحلك رقبتك وودنك بفوطة مبلولة"
بعيد صلاة العصر ارتدى أبهى ملابسي وانتظر في البلكونه شاخصا تجاه الطريق وما أن ألمح السيارة اللادا الحمراء حتى تنفرج أساريري واهبط سلالم البيت قفزا لأكون اول المستقبلين افاجأ باسامة الذي كان منتظرا على مدخل القرية وهويجري اما السيارة المتهادية هاتفا " إعميمه إعميمه" تقف السيارة أمامي مباشرة ويهبط منها أحمد و محمد ثم عمتي وعمو مشهور الذي يسلم على وعلى أسامة مبتسما ومقلدا اياه "إعميمه" أذهب للسلام على عمتي فتمنحني حضنا منعشا ثم اسلم على احمد ومحمد واحتضنهما بود كبير يليق بحبي لهما
ندخل جميعا فتتعالى السلامات وعبارات الود والترحاب واجلس انا في ترقب ناظرا الى حقيبة عمتى الصغيرة تمر الدقائق ببطء وانا مازلت على نظرتي وترقبي ثم تسألني عمتى عن نهى وهي تمد يدها الى الحقيبة تصل الاثارة بداخلي الى أقصى درجاتها واجيب بلامبالاة "ماما بتسرح لها زمانها نازلة" تمد عمتي يدها بثلاث أكياس بلاستيكية صغيرة قائلة"خدوا الحاجات بتاعتكوا " نقفز مسرعين اسامة وياسمين وانا ويختطف كل منا أحد الاكياس ونفتحه بلهفة لا يوجد مبرر لاخفاءها نتفحص الغنيمة بنهم فنجد الكيس ملئ بالحلوي والبنبون الذي لا يوجد مثيله في دكان عم عبده ...اغلق كيسي جيدا ثم اسأل عمتي في براءة مصطنعة" انا طالع فوق تجيبي الكيس بتاع نهي اديه لها؟" فتجيب عمتى بعفوية "خد" اختطف الكيس واجري قبل أن تفضحني ابتسامة انتصار لا اقوى على كبحها واقف على بسطة السلم لانتقي منه ما خف وزنه وغلا ثمنه ثم ألقيه بلا اكتراث في حجر نهى التى مازلت امي تسرح لها.
اعود للجلسة الممتعة.. عمو مشهور يحكي لنا عن آخر طرائف جدو السيد او يحكي لنا أحمد أومحمد اخر نكته ضحكة صافية من هنا على قفشة ظريفة من هناك يمر الوقت ويستأذن عمو مشهور للذهاب الى الحسينية وينفرط عقد الجلسة بذلك ونذهب نحن الاطفال للعب أو لمشاهدة التلفزيون وفي اليوم التالي يأتي عمو مشهور مساء لا صطحاب الاسرة الى الزقازيق فتتكرر نفس جلسة الامس بنفس الدفء والبهجة وفي ساعة متأخرة من الليل يذهبوا فينفرط عقدنا من جديد في انتظار الخميس التالي
في أجازة الصيف أذهب لقضاء أسبوع على الاقل عند عمتي في الزقازيق ولي هناك ذكريات عزيزة جدا وطريفة خاصة في شقتهم القديمة الصغيرة خلف المحافظة..حيث الكمبيوتر الصخر ولعبة الساحرة التي ما أن مللنا منها حتى بدأنا نذهب لمحل العاب كمبيوتر مجاور اسمه اوركيد...لعب الكرة مساء في الشارع مع وائل الديب وحسام وبكر ومحمد عبد الجواد الذي كان يثير الخوف في نفسي حيث كان يبرز له ورم ما على جبينه عندما يبذل مجهود كبير أو يغضب مما جعلني اتحاشاه ...معاكسة سكان الشوارع المجاورة عن طريق الانتركم ثم الجري مسرعين وقد امتلئنا بنشوة المغامرة ....سوبر ماركت البكار يوم ذهبت مع محمد لشراء عيش فينو فاذا بي أسبق محمد بالكلام واسأل البائع بثقة مفتعلة " عمو فيه عيش كوزان" ينظر لي البائع باستغراب فيسارع محمد "عيش فينو" اشعر بالحرج....اذكر أيضا حين كنت احلي الشاي ذات مرة فاوشك غطاء السكرية أن يقع على الارض وعندما حاولت ادراكه أوقعت الغطاء والسكرية نفسها وكوب الشاي...وددت وقتها لو تنشق الارض لتبتلعني الارض لكن عمو مشهور هون علي بابتسامة حنونه وصادقة وهو يهتف "يا أرعن"
وحتى عندما رحلت أيام الطفولة المبهجة واتت مرحلة الشباب الاقل بهجة ظلت زياراتي لبيت عمتى يوم الثلاثاء من كل أسبوع أثناء عملي بمرور الشرقية من أحلى واعذب اوقات حياتي حيث الطعام اللذيذ الشهي والذي مازال تذكره يسيل لعابي حتى الان من فرط حلاوته ثم اللجلسة الاسرية الدافئة والمبهجة التي ينيرها عمو مشهوره بحضوره الطاغي وثقافته المبهرة أو احمد بخفة ظلة الفائقة وقدرته على انتزاع الضحكة من اعماق قلبي أو محمد بهدوءة ورزانته التي لا تخلو من ظرف وطبعا عمتي بحنانها الذي يغمرنا جميعا وقدرتها الفائقةعلى الاستماع والاحتواء والمساندة.
أمسك كل تلك الذكريات بين راحتى واحتضنها طويلا ثم أضعها برفق في نفس مكانها من الذاكرة وقد ملأني الدفء وفاض ليملأ الغرفة كلها يصاحبه شعور عميق بالامتنان لعمتي وعمو مشهور واحمد ومحمد....وفجأة يطل على شعور متطفل بالاستغراب من ألا أجد في ركن الذكريات العذبة أي ذكري لأسرتنا الصغيرة أبي وامي واختي نهى وانا ...اعود لأبحث من جديد فلا أجد سوى صور مبتورة ومشاهد مشوشة لا نظهر أربعتنا مجتمعين فيها ابدا فإما امي غير موجودة أو ابي....يصدمني ذلك الشعور ويبدد بعض الدفء الذي اعتراني لكنه على العكس يزيد من شعوري بالامتنان تجاه أسرة عمتي...وأفكر لو أنهم معي الان" عمتي واحمد ومحمد"فأمنحهم حضن كبيييييييييير وطويل يمتد عبر الزمن بعمق حبي لهم...ثم اقرأ الفاتحة على روحا أبويٌٍِِ سعيد ومشهور...وبعدها اخلد للنوم هادئا ودافئا وممتنا.

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

الجريمة

.دفعت باب الغرفة بكفها الايسر فانفتح بهدوء...

أطلت برأسها داخل الغرفة في حذر وجالت بأعينها بداخلها لتتأكد من خلوها....

دخلت ببطء وأغلقت الباب خلفها ثم استندت بظهرها عليه لتلتقط أنفاسها المتسارعة بفعل التوتر والخوف أن يدركها أحدهم قبل ان تتم مهمتها...

نظرت في ظفر واصرار نحو ضحيتها القابعة على بعد أمتار قلية منها مستندة على الجدار المقابل في الغرفة ثم تمتمت بكلمات غير مفهومة وهي تبدأ زحفها المقدس نحوها بخطوات واثقة "لن ينقذك أحد مني هذه المرة" هكذا فكرت وهي تقترب من الضحية ومع كل خطوة تخطوها تتسارع دقات قلبها اكثر وأكثر فهاهي اللحظة التي تمنتها ليال طويلة أوشكت على التحقق...

.

.

.

وفجأة

.

.

ينفتح باب الغرفة في عنف ليظهر خلفة رجل في الثلاثين من عمره..طويل وله كرش ..يصرخ بعنف " تاني مش هتبطلي بقه"

تنظر في عينيه مباشرة نظرة ماكرة وتتردد لوهلة هل تتظاهر بالجلوس في هدوء وتحاول في مرة اخرى أم تتجاهلة وتكمل مهمتها خاصة وهي على بعد خطوة واحدة فقط من الضحية ...وسرعان من تحسم امرها وتنطلق بأقصى سرعتها نحوها الضحية ..

يقفز الرجل قفزة هائلة محاولا الوصول اليها ومنعها من اتمام جريمتها... ويمسك بقدمها بالفعل

لكنها تمد يدها بسرعة خاطفة شاهرة سبابتها وتضرب الضحية في قلبها تماما ضربة دقيقة و قاتلة

.

.

بعد ضربتها المميتة تجلس على الارض بجوار الضحية والرجل ممدد بجوار أقدامها ينظر لها بغضب واحباط

تتجاهله وتنظر نظرة أخيرة على الضحية لتتأكد من موتها .. تزفر الضحية زفرتها الاخيرة" الحمد لله رب العالمين"

عندها ترفع يديها في انتصار ويعلو ملامحها علامات الارتياح "كتلك التي كانت تعلو ملامح د/لكتر فد وهو يأكل مخ ضحيته"

وتبدأ دقات قلبها في الهدوء النسبي بعد المغامرة

تنظر نظرة بريئه للرجل الذي مازال ممددا الى جوارها في يأس..يتنهد الرجل تنهيدة غاضبة وهو يعتدل في جلستة ناظرا لها بحنق..فتقترب منه وتتعلق بملابسة واقفة حتى يصبح وجهها في مواجهته مباشرة...عندها

تمنحه ابتسامة ملائكية عذبة فتنفرج شفتاها عن اجمل أربع أسنان في الوجود فلا يكون منه الا أن يبادلها الابتسام ويمنحها حضن كبيييييييييييييير وهو يهمس " والله يا جنه لو ماسبتي الكمبيوتر في حالة لاربطك في رجل السرير" ثم يهتف" يا قردة لسه هحمل الفيلم من الأول تاني " يقولها ثم يطبع قبلةحانيه على خدها الرقيق ويفلتها

تنزل القردة الصغيرة من على قدمية وهي تهتف " بتغ بتغ"

ثم تنطلق في زحفها المقدس نحو ضحية جديدة ....الريسيفر

.

الاثنين، 29 مارس 2010

ذكريات تداعب الذاكرة(2)

العيد

كان العيد يأتي محملا بالبهجة والسعادة وكان له طقوس مقدسة لاتكتمل الفرحة بدونها
فقبله بأيام نذهب لشراء الملابس الجديدة من الزقازيق بنطلون جينز وقميص وجاكيت ولا مؤاخذة جزمة ..
أخبئ كنزي الثمين في الدولاب جيدا ولايسمح لأحد بمشاهدته حتى لا تضيع المفاجأة
وليلة العيد أخرج الكنز وأعلقه في غرفتي وتحته الحذاء تمهيدا لإرتدائه في الصباح.

وفي الصباح أستيقظ نشيطا على غير العادة وبدون مناهدة من أمي أقبلها وأعيد عليها
ثم أرتدي ملابسي مبتهجا والسعادة تزغزغ قلبي
أخرج لأعيد على أبي في غرفته أجده خارجا من الحمام لتوه يمنحني حضنا دافئا ومنعشا يفيض حنانا كالعادة
ثم أجري الى الفناء لألحق بالصلاة مبكرا.

أنزل السلالم بخطى سريعة وأدق باب عمي سمير..
تفتح لي زوجته أعيد عليها وأسأل عن عمي فتخبرني انه سبقنا إلى الصلاة
أذهب ألى بيت الجدة "لاما" الملاصق لبيتنا وأقبل يدها وأعيد عليها ثم أغادر سريعا للصلاة.

الصلاة تتم في فناء أمام المنزل..... الفناء مفروش بحصير المسجد ومعظم أهل القرية الصغيرة التي نقطنها حضروا

تملأ التكبيرات أرجاء المكان بالسكينة والنور أبدأ في الترديد معهم قبل ان أصل

الله اكبر الله أكبر الله أكبر .....لا إله إلا الله

الله الله أكبر ............. ......ولله الحمد

أبحث عن مكان بجوار خالي أمجد وأستقر فيه وانا أردد التكبيرات بفرحه .

صباح العيد يختلف عن أي صباح ولا أعرف السر
أشعر أن ضوءه أكثر رقه من الايام العادية وأن هواءه معبق بروائح منعشه

ترتفع الشمس بمقدار نخلتين فينادى الامام" صلاة العيد جامعه "

نصلي ونستمع لخطبة لا أستمع لمعظمها لأن بالي مشغول بالعيدية والفسح

تنتهي الخطبة وأخرج إلى بيت جدي أجد الجدة "هيزع"
وقد جلست أمام البيت وبجوارها كرسي فارغ وزوجات أخوالي أعيد عليهم وأفرجهم على ملابس العيد
أداعب بنات أخوالي الصغيرات ثم أسرع لإكمال المهمة .

أعود للبيت محملا بثروة ضخمة بعد أن حصلت على العيدية من الاقارب والجيران
وكان أضخمها عيدية خالوا اكرم الذي يمنحني خمسة أو وفي أحيان عشرة جنيهات دفعة واحدة.

أفتح المحفظة الجديدة التي أشتريتها خصيصا لحمل العيدية وأتأكد من وجود ثروتي
ثم أستأذن للذهاب إالى "السيما"
في البداية واجهت رفضا قاطعا
لكن مع الالحاح واللعب على نغمة كل ولاد العزبة رايحين واشمعنى أنا حصلت على التصريح على مضض ..
إنفجرت سعادة كبيرة بداخلي خرجت على هيئة إبتسامة كبيرة وصافية ثم خرجت مسرعا لألحق بالركب .

وصلنا المركز (مدينة أبو كبير) حيث السيما بعد عشر دقائق
كان مبنى السيما كبيرا ومهيبا وقد تجمع أمامه مئات الشباب والأطفال الريفيين البسطاء
أخرجت جنيهين ثمن التذكرة واعطيتهم للفدائي الذي سيضحي بنفسه ويقطع التذاكر
يخرج بطلنا منهكا وكأنه خارج من غسالة عادية مبلل من العرق ومنهك وملابسه الجديده في حالة يرثى لها
يوزع التذاكر علينا وتبدأ مرحلة اكثر صعوبة
بضع مئات يقفون امام الباب الحديدي الذي لايسع إلا لفرد واحد
سلمنا أجسادنا لتادفع موجات البشر التي تحاول الدخول فاقتربنا من الباب
ولكن فجأة جاءت موجه من جهة اليمن أبعدتنا مرة أخرى عن الباب
وظللنا هكذا نقترب ونبتعد لمدة نصف ساعة لم يدخل فيها أي شخص الى القاعة
حتي جاء "عم حمدي" صاحب السيما ممسكا في يدة عصا طويلة من الخيزران
وبدأ يضرب بها يمينا ويسارا وانا احدق فيه مشدوها حتي كادت تطولني ضربة من ضرباته
تفاديتها بصعوبة وانا مازالت بدهشتي
انكمشنا على انفسنا وكونا دائرة حول عم حمدي نصف قطرها عصاه
ولكنه لمح أحدهم يتحرك من مكانه
فعاجله بضربة محترمة على ظهره تقوس لها ظهر الفتى وتأوه أهه مكتومة محاولا أن يضع يده على الضربة ثم تسمر مكانه ونظر الينا نظره منكسرة وهو يقاوم دموعا تجمعت في عينيه
عم السكون على المكان فصاح فيناعم حمدي : طابور يا ولاد(تييت) منك له
استجبنا للأمر على الفور وتحركنا بحذر لنقف في الطابور
والغريبة أن احدنا لم يعترض او يرفض هذه الطريقة المهينه أو حتى يغادر المكان
بل على العكس نفذنا الاوامر بسلاسة وهدوء وكأن شيئا لم يكن
(كلما تذكرت هذا الموقف أيقنت أن جمال مبارك سيرث الحكم بهدوء وسلاسه ونحن سنكتفي أن ننظر له بدهشة وانكسار)
دخلنا بسرعة الى القاعة فصدمتني الرائحة العفنة التي تعبق المكان ولكنها لم تعوقني عن الاستمتاع بالتجربة
و بالشاشة العملاقة التي لم أرى مثلها من قبل
إنها بحجم مائة تلفزيون مثل تلفزيون بيت جدي ثابت
نبحث عن كرسي فلا نجد ونضطر أن نفترش الممر بين الكراسي
ولكن نحرص ان نكون بالقرب من الشاشه
حتى نبتعد عن بصاق سكان البلكون الذين يسلون وقتهم بالبصق على سكان الصالة
اعلانا عن الفروق الطبيقة
كان العرض ثلاثة أفلام إثنان عربي لا أتذكرهم وواحد اجنبي لن أنساه أبدا
هو فيلم تركي يتخلله دقيقتين من فيلم صيني (فيلم تركي صيني مشترك)تبدأ أحداث الفيلم التركي وتستمر ثم
فجأة تنقطع ليأتي مشهد من فيلم صيني في حمام نسائي يقتحمه شخص ما فيري فتاه في الحمام عارية تماما!!!!
أصاب بدهشة كبيرة وتكاد عيني تخرج من مكانهما من فرط المفاجأة.... فتاه عارية !! ياللهول
ينتهي المشهد سريعا ويعود الفيلم التركي ويعلو الصفير والتصفيق
واقرر انا أنني لابد أن أعود لهذه السيما المحترمة مرة أخرى
يمر الوقت وانا فاقد تركيزي لم اري بقية الفيلم ولا الفيلم التالي وانا احاول التركيز لأتأكد أن ماشاهدته كان حقيقيا
وبعد العرض أنظر للأفيش المعلق على السيما جيدا وأقرأ اسم الفيلم الاجنبي "النمر الثائر" وانا مازلت على دهشتي
نذهب بعد السيما لتناول ساندويتش كبده مستوردة من عند الاحرازي
الساندويتش ثمنه جنية واحد والوصاية بجنيه ونصف
لكنه من فرط حلاوته مازال طعمه في فمي حتى الان
وبعد الكبدة نحبس بكوكتيل من عند أبو فؤاد بجنيه ايضا
نشرب الكوكتيل ونتجه للعودة فورا وقد انتشينا من السعادة والفرحة بعد أن مارسنا كل متع الحياة
وفي طريق العودة نتبادل الاراء حول الافلام وبالطبع تجمع الاراء أن فيلم النمر الثائر هو الأفضل
نصل البيت في الثانية ظهرا ونودع بعضنا سريعا لنلحق بالفيلم الهندي الذي غالبا يكون فيلم "الشعلة" "جبار ذي".

تخطر لي تلك الايام وغيرها فأتذكر قول الشاعر




في العشرين كنت كهلا أنوء بأعباء العالم وحدي
وعلى أعتاب الثلاثين صرت شيخا مطفأ العينين والقلب والروح
وحدك يا صبح الطفولة كنت زمني
الطفولة هى أحلي مراحل العمر
حيث كنا نعيش كل لحظة على حدي
مستقلة بذاتها
فلا شئ في الماضي يغري على حمله
ولا شئ في المستقبل يستحق الاهتمام
وحده الحاضر ملك لنا
نعيش لحظاته منفصله عن بعضها ...تماما كالفيلم السينمائي قبل المونتاج
كل مشهد وحده لا يربط بينه وبين المشاهد الاخرى أي شئ
فهذا المشهد مأساوي وحزين
والآخر مفعم بالفرحة والسرور ولا يخصم من احدهما الاخر
كل لحظة هي حياة في حد ذاتها
حيث لا تطالبنا الدنيا بشئ
ونحن في المقابل لا نطالبها بالكثير
مجرد فيلم كرتون او فيلم لاسماعيل يس
جلسة دافئة مع الاسرة
فترة بسيطة نقضيها في لعب الاستغماية أو نلعب حرب
حكاية قبل النوم (بشرط ألا تكون حكاية الشاطر عمرو)
أو عربية بالزمبلك
أيا منهم يفي بالغرض
ويكفي لتشرق البهجة في الحياة وتحتل الابتسامه الجزء الاكبر من الملامح
أما الان وبعد عمل المونتاج وربط المشاهد ببعضها
أصبح الامر أكثر صعوبة
أكثر بكثير.

ذكريات تداعب الذاكرة(1)

الذكريات الجميلة هي محض خدعة وأكذوبة كبرى....الذكريات كلها حزينة ومرة حتى ما يسمى منها بالذكريات الجميلة فهي الأخرى مؤلمة لما تثيره في النفس من شعور بالفقد والحنين للماضي.
تتردد هذه الجملة باستمرار في ذهني تطن في أذني دوما كل يوم وكل ليلة ...لم أكن أتألم من الذكريات في الماضي على هذا النحو بل كانت تثير السرور والانس في نفسي
ولكني تغيرت ... تبدلت أحوالي بدرجة مرعبة في السنوات الأخيرة
لا يعقل أن أظل دائما أتهم الغربة برغم قسوتها ومرارتها بأنها السبب في التغيرات التي ألمت بشخصيتي ونفسيتي ولا ميلي المتزايد للشجن والحزن
تلك التنهيده الحارقة التي تلهب صدري كل فترة بطريقة مفاجئة وبلا سبب معروف ليست نتيجة الغربة وحدها بالتأكيد فقد تلى الغربة أحداث عديده لعل أهمها حدث رهيب ومزلزل وعنيف جدا أفقدني صوابي وشطرني نصفين لم يلتحما ثانية إلى الان
إنه فقدان أبي ذلك الحدث الذي خلق بداخلي إحساس وغريب ودائم ومتواصل بأني عاري.
أسير في الشارع فأتحسس ملابسي فجأة لأتأكد انها موجودة تغطيني وأقاوم طول الوقت رغبة قوية بأن أغطي عورتي بيدي أثناء سيري
أنام ليلا فأشد البطانية تحت قدمي وأثبتها جيدا وأمدها حتى تغطي رأسي باكامل ثم افيق ليلا عدة مرات لأتأكد أنها مازالت تغطيني
إحساس مرهق وقاسي بأني عاري الكل يرون عورتي وتخترق نظراتهم جسدي

إنه يوما عاديا...رتيبا...مكررا...نسخة طبق الاصل من سابقيه وحتى من لاحقيه
يدق الموبايل بنغمة نوكيا الشهيرة فأشعر أنه يغرس مسمارا من الصلب في نافوخي ..أمد يدي بعصبية إالى الكمود بحثا عنه وأقربه من عيني النصف مفتوحة وكلي امل أن أجده قد اخطأ ودق مبكرا ولو بنصف ساعة ولكنه للأسف يخذلني كالعادة وأجدها السابعة وأربع دقائق تماما كما ضبطته...أتشبث بالأمل الأخير وأضغط زر الغفوة ثم أغمض عيني سريعا مكملا نومي متظاهرا أن شيئا لم يحدث
بعد عشر دقائق أشعر انها لحظة يدق مرة اخرى... أمد يدي بسرعة لأسكته لاعنا إياه ولاعنا إصراره المقيت على إيقاظي
تمضي ثواني قليلة يأتيني بعدها صوت أحمد اسماعيل الهادئ من خلف باب الحجرة.........كريم
يتلاشى آخر امل في إقتناص دقائق إضافية من النوم وأجيبه بإحباط.........صاحي ياريس
أنتزع نفسي من السرير بتكاسل وتردد بعد أن أقطع لجسدي وعد بان أمنحه الليلة القادمة مدة اطول من النوم.
أدخل الحمام بخطوات صغيرة متكاسلة افتح الحنفية وأضم كفي صانعا تجويفا صغيرا بينهما وأعرضهما لتيار الماء ..أحدق ببلاهة في الماء الذي يملأ التجويف ثم يبدأ في الإنسكاب خارجها ..أفكربأن عمري في هذا البلد الرتيب الجاف يتسرب مني تماما مثل هذا الماء ..بنفس السرعة والعشوائية
أغسل وجهي عدة مرات لأزيل أثار النوم ثم أتوضأ واخرج...يبادرني أحمد ...علاء تحت
أرتدي ملابسي على عجل حتى اني أكمل غلق أزرار القميص على السلم وأنزل مسرعا
أحيي علاء ولقى بنفسي على الكرسي الخلفي للسيارة التي تنطلق مسرعة
كل متر تقطعه السيارة في اتجاه المستودع يزيد من توتري وانقباضي...لماذا ينتهي الليل بهذه السرعة ولماذا لا ينتهي النهار بالسرعة ذاتها
طريقة علاء في القيادة تزيد من توتري فهو يتلوى على الطريق يمنة ويسرى كلأفعى ثم يتوقف فجأة وينطلق فجأة ويوزع سبابه ولعناته على كل السيارات من حوله...
آيات سورة مريم بصوت السديس وبسجعها الحنون المنتهي بالألف والياء تهدئ من توتري قليلا...لكن سرعان ماتنقطع التلاوة في الثامنة من اجل إذاعة النشرة
سمو الملك يفتتح مهرجان الجنادرية ويهنئ أمريكا(الدولة الصديقة) على تغيير قانون الضمان الاجتماعي
المبعوث الأمريكي في اجتماعه مع نتنياهو يؤكد أن أمن إسرائيل يعد الأولوية الأولى للإدارة الأمريكية!!
سمو ولي العهد ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام(فوجئت بأنه شخص واحد) يفتتح بعض المشاريع في الدمام
ونحن أخيرا نصل إلى المستودع
أوزع نظرة حيادية وإبتسامة باهتة على الجميع ونتبادل تحية الصباح دون أن يقصد أحدنا مايقوله فعلا
أدخل المكتب وألقي التحية على أشرف وعلى زميلي في المكتب وأجلس خلف مكتبي ثم أرفع عيني إلى الساعة المعلقة على الحائط المقابل لي ..أجدها مازالت الثامنه وعشر دقائق
...يا إلهي مازال امامي إثنى عشر ساعة قبل أن أخرج من هذا المعتقل الكئيب.

الاثنين، 10 أغسطس 2009

انت ندل

باقولهالك بأمانه

وقبل ما تزعل وتتهمني بطولة اللسان

أحب أطمنك انك مش لوحدك

انا كمان برضه ندل ومن أندل خلق الله

كلنا ..

والله كلنا أندال ..

وعشان تصدقني افتكر أيام الامتحانات بتدعي ربنا كام دعوة في اليوم وبتصلي قد إيه وبتسبح قد إيه

أو لو بتمر بأزمة تلاقيك بتقرا قرآن بإنتظام وبتصلي في جماعة لكن للأسف

أول ما الازمة تخلص تبدأ تتغير وتطنش الصلاة والقرآن ..

طب بذمتك مش منتهى الندالة .

طيب لوفيه حد لما يكون عايز منك حاجة تلاقيه بيسأل عليك على طول وبيزورك ويجيبلك هدايا

واول ما مصلحته تخلص يعدي عليك في الشارع يعمل مش عارفك ....

هتقول عليه إيه؟ وهتعمل معاه إيه لو جالك تاني يطلب منك حاجه؟

يعني اللي مترضاش حد يعمله معاك ... تعمله إنت ؟ ومع مين؟ مع رب العالمين سبحانه وتعالى

واللي يحسسك بالذنب وبالكسوف أكترإنك لما بتحتاج له سبحانه وتعالى تاني وتالت ومليون

بتلاقيه واقف جنبك وبيساندك رغم إنك بترجع تاني بعد ما المشكله تتحل تنساه ...

لالالالا ده كتير..... كتير قوي والله

وبتزعل لما أقولك إنك ندل ده أقل واجب

وبعدين على فكرة مش انا اللي بقول كده ده ربنا سبحانه وتعالى هو اللي بيقول

الآيه12 في سورة يونس بتقول(وإذا مس الإنسان الضردعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما

فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون) بصراحة كل ما أقرا الآيه دي بحس إني مكسوف من نفسي قوي لأني مش شايف لها غير تفسير واحد بس



إننا أندال يا جماعة أندااااااااااال