الاثنين، 29 مارس 2010

ذكريات تداعب الذاكرة(1)

الذكريات الجميلة هي محض خدعة وأكذوبة كبرى....الذكريات كلها حزينة ومرة حتى ما يسمى منها بالذكريات الجميلة فهي الأخرى مؤلمة لما تثيره في النفس من شعور بالفقد والحنين للماضي.
تتردد هذه الجملة باستمرار في ذهني تطن في أذني دوما كل يوم وكل ليلة ...لم أكن أتألم من الذكريات في الماضي على هذا النحو بل كانت تثير السرور والانس في نفسي
ولكني تغيرت ... تبدلت أحوالي بدرجة مرعبة في السنوات الأخيرة
لا يعقل أن أظل دائما أتهم الغربة برغم قسوتها ومرارتها بأنها السبب في التغيرات التي ألمت بشخصيتي ونفسيتي ولا ميلي المتزايد للشجن والحزن
تلك التنهيده الحارقة التي تلهب صدري كل فترة بطريقة مفاجئة وبلا سبب معروف ليست نتيجة الغربة وحدها بالتأكيد فقد تلى الغربة أحداث عديده لعل أهمها حدث رهيب ومزلزل وعنيف جدا أفقدني صوابي وشطرني نصفين لم يلتحما ثانية إلى الان
إنه فقدان أبي ذلك الحدث الذي خلق بداخلي إحساس وغريب ودائم ومتواصل بأني عاري.
أسير في الشارع فأتحسس ملابسي فجأة لأتأكد انها موجودة تغطيني وأقاوم طول الوقت رغبة قوية بأن أغطي عورتي بيدي أثناء سيري
أنام ليلا فأشد البطانية تحت قدمي وأثبتها جيدا وأمدها حتى تغطي رأسي باكامل ثم افيق ليلا عدة مرات لأتأكد أنها مازالت تغطيني
إحساس مرهق وقاسي بأني عاري الكل يرون عورتي وتخترق نظراتهم جسدي

إنه يوما عاديا...رتيبا...مكررا...نسخة طبق الاصل من سابقيه وحتى من لاحقيه
يدق الموبايل بنغمة نوكيا الشهيرة فأشعر أنه يغرس مسمارا من الصلب في نافوخي ..أمد يدي بعصبية إالى الكمود بحثا عنه وأقربه من عيني النصف مفتوحة وكلي امل أن أجده قد اخطأ ودق مبكرا ولو بنصف ساعة ولكنه للأسف يخذلني كالعادة وأجدها السابعة وأربع دقائق تماما كما ضبطته...أتشبث بالأمل الأخير وأضغط زر الغفوة ثم أغمض عيني سريعا مكملا نومي متظاهرا أن شيئا لم يحدث
بعد عشر دقائق أشعر انها لحظة يدق مرة اخرى... أمد يدي بسرعة لأسكته لاعنا إياه ولاعنا إصراره المقيت على إيقاظي
تمضي ثواني قليلة يأتيني بعدها صوت أحمد اسماعيل الهادئ من خلف باب الحجرة.........كريم
يتلاشى آخر امل في إقتناص دقائق إضافية من النوم وأجيبه بإحباط.........صاحي ياريس
أنتزع نفسي من السرير بتكاسل وتردد بعد أن أقطع لجسدي وعد بان أمنحه الليلة القادمة مدة اطول من النوم.
أدخل الحمام بخطوات صغيرة متكاسلة افتح الحنفية وأضم كفي صانعا تجويفا صغيرا بينهما وأعرضهما لتيار الماء ..أحدق ببلاهة في الماء الذي يملأ التجويف ثم يبدأ في الإنسكاب خارجها ..أفكربأن عمري في هذا البلد الرتيب الجاف يتسرب مني تماما مثل هذا الماء ..بنفس السرعة والعشوائية
أغسل وجهي عدة مرات لأزيل أثار النوم ثم أتوضأ واخرج...يبادرني أحمد ...علاء تحت
أرتدي ملابسي على عجل حتى اني أكمل غلق أزرار القميص على السلم وأنزل مسرعا
أحيي علاء ولقى بنفسي على الكرسي الخلفي للسيارة التي تنطلق مسرعة
كل متر تقطعه السيارة في اتجاه المستودع يزيد من توتري وانقباضي...لماذا ينتهي الليل بهذه السرعة ولماذا لا ينتهي النهار بالسرعة ذاتها
طريقة علاء في القيادة تزيد من توتري فهو يتلوى على الطريق يمنة ويسرى كلأفعى ثم يتوقف فجأة وينطلق فجأة ويوزع سبابه ولعناته على كل السيارات من حوله...
آيات سورة مريم بصوت السديس وبسجعها الحنون المنتهي بالألف والياء تهدئ من توتري قليلا...لكن سرعان ماتنقطع التلاوة في الثامنة من اجل إذاعة النشرة
سمو الملك يفتتح مهرجان الجنادرية ويهنئ أمريكا(الدولة الصديقة) على تغيير قانون الضمان الاجتماعي
المبعوث الأمريكي في اجتماعه مع نتنياهو يؤكد أن أمن إسرائيل يعد الأولوية الأولى للإدارة الأمريكية!!
سمو ولي العهد ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام(فوجئت بأنه شخص واحد) يفتتح بعض المشاريع في الدمام
ونحن أخيرا نصل إلى المستودع
أوزع نظرة حيادية وإبتسامة باهتة على الجميع ونتبادل تحية الصباح دون أن يقصد أحدنا مايقوله فعلا
أدخل المكتب وألقي التحية على أشرف وعلى زميلي في المكتب وأجلس خلف مكتبي ثم أرفع عيني إلى الساعة المعلقة على الحائط المقابل لي ..أجدها مازالت الثامنه وعشر دقائق
...يا إلهي مازال امامي إثنى عشر ساعة قبل أن أخرج من هذا المعتقل الكئيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق