الاثنين، 29 مارس 2010

ذكريات تداعب الذاكرة(2)

العيد

كان العيد يأتي محملا بالبهجة والسعادة وكان له طقوس مقدسة لاتكتمل الفرحة بدونها
فقبله بأيام نذهب لشراء الملابس الجديدة من الزقازيق بنطلون جينز وقميص وجاكيت ولا مؤاخذة جزمة ..
أخبئ كنزي الثمين في الدولاب جيدا ولايسمح لأحد بمشاهدته حتى لا تضيع المفاجأة
وليلة العيد أخرج الكنز وأعلقه في غرفتي وتحته الحذاء تمهيدا لإرتدائه في الصباح.

وفي الصباح أستيقظ نشيطا على غير العادة وبدون مناهدة من أمي أقبلها وأعيد عليها
ثم أرتدي ملابسي مبتهجا والسعادة تزغزغ قلبي
أخرج لأعيد على أبي في غرفته أجده خارجا من الحمام لتوه يمنحني حضنا دافئا ومنعشا يفيض حنانا كالعادة
ثم أجري الى الفناء لألحق بالصلاة مبكرا.

أنزل السلالم بخطى سريعة وأدق باب عمي سمير..
تفتح لي زوجته أعيد عليها وأسأل عن عمي فتخبرني انه سبقنا إلى الصلاة
أذهب ألى بيت الجدة "لاما" الملاصق لبيتنا وأقبل يدها وأعيد عليها ثم أغادر سريعا للصلاة.

الصلاة تتم في فناء أمام المنزل..... الفناء مفروش بحصير المسجد ومعظم أهل القرية الصغيرة التي نقطنها حضروا

تملأ التكبيرات أرجاء المكان بالسكينة والنور أبدأ في الترديد معهم قبل ان أصل

الله اكبر الله أكبر الله أكبر .....لا إله إلا الله

الله الله أكبر ............. ......ولله الحمد

أبحث عن مكان بجوار خالي أمجد وأستقر فيه وانا أردد التكبيرات بفرحه .

صباح العيد يختلف عن أي صباح ولا أعرف السر
أشعر أن ضوءه أكثر رقه من الايام العادية وأن هواءه معبق بروائح منعشه

ترتفع الشمس بمقدار نخلتين فينادى الامام" صلاة العيد جامعه "

نصلي ونستمع لخطبة لا أستمع لمعظمها لأن بالي مشغول بالعيدية والفسح

تنتهي الخطبة وأخرج إلى بيت جدي أجد الجدة "هيزع"
وقد جلست أمام البيت وبجوارها كرسي فارغ وزوجات أخوالي أعيد عليهم وأفرجهم على ملابس العيد
أداعب بنات أخوالي الصغيرات ثم أسرع لإكمال المهمة .

أعود للبيت محملا بثروة ضخمة بعد أن حصلت على العيدية من الاقارب والجيران
وكان أضخمها عيدية خالوا اكرم الذي يمنحني خمسة أو وفي أحيان عشرة جنيهات دفعة واحدة.

أفتح المحفظة الجديدة التي أشتريتها خصيصا لحمل العيدية وأتأكد من وجود ثروتي
ثم أستأذن للذهاب إالى "السيما"
في البداية واجهت رفضا قاطعا
لكن مع الالحاح واللعب على نغمة كل ولاد العزبة رايحين واشمعنى أنا حصلت على التصريح على مضض ..
إنفجرت سعادة كبيرة بداخلي خرجت على هيئة إبتسامة كبيرة وصافية ثم خرجت مسرعا لألحق بالركب .

وصلنا المركز (مدينة أبو كبير) حيث السيما بعد عشر دقائق
كان مبنى السيما كبيرا ومهيبا وقد تجمع أمامه مئات الشباب والأطفال الريفيين البسطاء
أخرجت جنيهين ثمن التذكرة واعطيتهم للفدائي الذي سيضحي بنفسه ويقطع التذاكر
يخرج بطلنا منهكا وكأنه خارج من غسالة عادية مبلل من العرق ومنهك وملابسه الجديده في حالة يرثى لها
يوزع التذاكر علينا وتبدأ مرحلة اكثر صعوبة
بضع مئات يقفون امام الباب الحديدي الذي لايسع إلا لفرد واحد
سلمنا أجسادنا لتادفع موجات البشر التي تحاول الدخول فاقتربنا من الباب
ولكن فجأة جاءت موجه من جهة اليمن أبعدتنا مرة أخرى عن الباب
وظللنا هكذا نقترب ونبتعد لمدة نصف ساعة لم يدخل فيها أي شخص الى القاعة
حتي جاء "عم حمدي" صاحب السيما ممسكا في يدة عصا طويلة من الخيزران
وبدأ يضرب بها يمينا ويسارا وانا احدق فيه مشدوها حتي كادت تطولني ضربة من ضرباته
تفاديتها بصعوبة وانا مازالت بدهشتي
انكمشنا على انفسنا وكونا دائرة حول عم حمدي نصف قطرها عصاه
ولكنه لمح أحدهم يتحرك من مكانه
فعاجله بضربة محترمة على ظهره تقوس لها ظهر الفتى وتأوه أهه مكتومة محاولا أن يضع يده على الضربة ثم تسمر مكانه ونظر الينا نظره منكسرة وهو يقاوم دموعا تجمعت في عينيه
عم السكون على المكان فصاح فيناعم حمدي : طابور يا ولاد(تييت) منك له
استجبنا للأمر على الفور وتحركنا بحذر لنقف في الطابور
والغريبة أن احدنا لم يعترض او يرفض هذه الطريقة المهينه أو حتى يغادر المكان
بل على العكس نفذنا الاوامر بسلاسة وهدوء وكأن شيئا لم يكن
(كلما تذكرت هذا الموقف أيقنت أن جمال مبارك سيرث الحكم بهدوء وسلاسه ونحن سنكتفي أن ننظر له بدهشة وانكسار)
دخلنا بسرعة الى القاعة فصدمتني الرائحة العفنة التي تعبق المكان ولكنها لم تعوقني عن الاستمتاع بالتجربة
و بالشاشة العملاقة التي لم أرى مثلها من قبل
إنها بحجم مائة تلفزيون مثل تلفزيون بيت جدي ثابت
نبحث عن كرسي فلا نجد ونضطر أن نفترش الممر بين الكراسي
ولكن نحرص ان نكون بالقرب من الشاشه
حتى نبتعد عن بصاق سكان البلكون الذين يسلون وقتهم بالبصق على سكان الصالة
اعلانا عن الفروق الطبيقة
كان العرض ثلاثة أفلام إثنان عربي لا أتذكرهم وواحد اجنبي لن أنساه أبدا
هو فيلم تركي يتخلله دقيقتين من فيلم صيني (فيلم تركي صيني مشترك)تبدأ أحداث الفيلم التركي وتستمر ثم
فجأة تنقطع ليأتي مشهد من فيلم صيني في حمام نسائي يقتحمه شخص ما فيري فتاه في الحمام عارية تماما!!!!
أصاب بدهشة كبيرة وتكاد عيني تخرج من مكانهما من فرط المفاجأة.... فتاه عارية !! ياللهول
ينتهي المشهد سريعا ويعود الفيلم التركي ويعلو الصفير والتصفيق
واقرر انا أنني لابد أن أعود لهذه السيما المحترمة مرة أخرى
يمر الوقت وانا فاقد تركيزي لم اري بقية الفيلم ولا الفيلم التالي وانا احاول التركيز لأتأكد أن ماشاهدته كان حقيقيا
وبعد العرض أنظر للأفيش المعلق على السيما جيدا وأقرأ اسم الفيلم الاجنبي "النمر الثائر" وانا مازلت على دهشتي
نذهب بعد السيما لتناول ساندويتش كبده مستوردة من عند الاحرازي
الساندويتش ثمنه جنية واحد والوصاية بجنيه ونصف
لكنه من فرط حلاوته مازال طعمه في فمي حتى الان
وبعد الكبدة نحبس بكوكتيل من عند أبو فؤاد بجنيه ايضا
نشرب الكوكتيل ونتجه للعودة فورا وقد انتشينا من السعادة والفرحة بعد أن مارسنا كل متع الحياة
وفي طريق العودة نتبادل الاراء حول الافلام وبالطبع تجمع الاراء أن فيلم النمر الثائر هو الأفضل
نصل البيت في الثانية ظهرا ونودع بعضنا سريعا لنلحق بالفيلم الهندي الذي غالبا يكون فيلم "الشعلة" "جبار ذي".

تخطر لي تلك الايام وغيرها فأتذكر قول الشاعر




في العشرين كنت كهلا أنوء بأعباء العالم وحدي
وعلى أعتاب الثلاثين صرت شيخا مطفأ العينين والقلب والروح
وحدك يا صبح الطفولة كنت زمني
الطفولة هى أحلي مراحل العمر
حيث كنا نعيش كل لحظة على حدي
مستقلة بذاتها
فلا شئ في الماضي يغري على حمله
ولا شئ في المستقبل يستحق الاهتمام
وحده الحاضر ملك لنا
نعيش لحظاته منفصله عن بعضها ...تماما كالفيلم السينمائي قبل المونتاج
كل مشهد وحده لا يربط بينه وبين المشاهد الاخرى أي شئ
فهذا المشهد مأساوي وحزين
والآخر مفعم بالفرحة والسرور ولا يخصم من احدهما الاخر
كل لحظة هي حياة في حد ذاتها
حيث لا تطالبنا الدنيا بشئ
ونحن في المقابل لا نطالبها بالكثير
مجرد فيلم كرتون او فيلم لاسماعيل يس
جلسة دافئة مع الاسرة
فترة بسيطة نقضيها في لعب الاستغماية أو نلعب حرب
حكاية قبل النوم (بشرط ألا تكون حكاية الشاطر عمرو)
أو عربية بالزمبلك
أيا منهم يفي بالغرض
ويكفي لتشرق البهجة في الحياة وتحتل الابتسامه الجزء الاكبر من الملامح
أما الان وبعد عمل المونتاج وربط المشاهد ببعضها
أصبح الامر أكثر صعوبة
أكثر بكثير.

هناك 4 تعليقات:

  1. جميل جدا و موهبة فى السرد يا كريم يا ريت ماتبطلش تكتب وماتستلمش للكسل
    محمد مشهور

    ردحذف
  2. ربنا يخليك ليا يا بو ريم يا حبيبي دايما فاتح نفسي وهتخليني أصدق
    على العموم أوعدك إني أحاول أستمر حتى لو انت الوحدي اللي معجب بكتابتي إنت كفاية

    ردحذف
  3. على فكرة المشاعر اللى انت كاتبها

    مشعرنا كلنا بس انت عبرت عنها كويس

    وبالتفصيل

    بوست جميل جدا

    تسلم الأيادى

    والذكريات

    شكرا

    ردحذف
  4. انا منبهر بأسلوبك ياكريم
    طريقة سلسة جداً في الكتابة والتعبير لدرجة اني حسيت اني كنت معاك او يمكن حسيت كده لاني اعرف الاماكن دي كلها .
    انما اللي بهرني فعلاً سيطرتك عليا لغاية الاخر ، عارف لما تيجي تقرأ كتاب والمؤلف يقدر يسيطر عليك ويحطك في قلب الاحداث ويشدك انك تكمل . ده اللي حصلي ودي اكتر عجبتني . بالتوفيق . وواصل ياكرم.
    محمود يونس

    ردحذف