الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

|البحث عن الكلمات

كنت قد قررت أن ابتعد قليلا عن الاحداث والمهاترات الدائرة , وقاطعت التلفزيون تماما والنت الا قليلا لكن ميليشات مبارك أبت الا أن تعيدني بقوة الى قلب الاحداث تعيدني مفجوعا ومكلوما وغير قادر على التعبير

لم استمع لأي خبر منذ مساء الخميس وحتى صباح السبت عندما فتحت الفبس بوك ففوجئت بالاخبار والصور والفيديوهات ....

في الوقت الذي كنت استمتع بقراءة رواية في الدفء في غرفتي كانت ميليشيات مبارك تقتل وتسحل أشرف من أنجبت مصر ياللعار كيف أستطيع أن اسامح نفسي ,

الجمتني الصدمة ولم أكتب أي كلمة عن الموضوع حاولت كثيرا ولكني فشلت...أعلم انها ليست المرة الاولى ومن الواضح انها لن تكون الاخيرة ولكني هذه المرة عاجز تماما عن الكلام ..حاولت أن اعلن تضامني ...أن أشتم ....أن أعدوا في الشوارع صارخا "آآآآآآه....آآآآآه....أو هاتفا..احنا مش عبيد ياولاد الكلب إحنا مش عبيد ياولاد الكلب.... لكني وجدت كل الكلمات مكررة ومبتذلة وباعثة على التقزز من كل شئ


لا يوجد أي توصيف متاح ..كيف يمكنني ان أعبر بالكلمات عن مشاعر والد علاء طالب الطب الذي استشهد بالامس على يد كلاب طنطاوي المسعورة ,كيف يمكنني أن أصف مشاعره الليلة حين يذهب الى حجرة ابنه الحبيب ليشد عليه البطانية كما تعود كل ليلة فلا يجده , كيف أصف مشاعر أم علاء عندما تعد له فنجان القهوة ليساعده على المذاكرة فتجد مكتبه خاليا وباردا وموحشا , كيف يمكن أصف مشاعر صديقه الذي يحجز له مكانا بجانبه في المحاضرة ثم ينتظر وينتظر وتنتهى المحاضرة ولا يأتي علاء أبدا ,كيف أصف مشاعر زوجة الشيخ عماد عفت التى لن يأتي زوجها الليله بوجهه الباسم البشوش ليوقظها لصلاة الفجر لا هذا الفجر ولا أي فجر قادم , خلاص من الان فصاعدا لا يوجد من تسأله ماذا سيأكل على الغذاء ولامن تكوي له جلبابه الابيض صباح الجمعة ولا يوجد من تنتظره حتى تشتكي له من شقاوة البنات.. من الآن عليها أن تدبر أمورها بنفسها, وحتى البنات أنفسهم لن يدخل عليهم اباهم بأكياس الفاكهة ولا بالشيكولاته التي يحبونها, وفي حفل نهاية العام الدراسي ستذهب كل زميلاتهن بصحبة آباؤهم وامهاتهم إلا هن ستصحبهن أمهم فقط ..وعندما تسألهن المدرسة متوددة بابا فين يا حبايبي سيجبن ببراءه وانكسار ..بابا مات....

..مات لأن هناك حيوان قذر ابن ستين كلب قرر بمنتهى البساطة أن يقتله.

هل يمكن ان أصف بحروف جوفاء مشاعر والدة احمد صالح المصاب أصابات خطيرة وهي ترتعش من البرد والخوف في ردهة المستشفي ويكاد قلبها يتوقف كلما خرج أحد من غرفة العناية المركزة خوفأ أن يخبرها بالخبر المشئوم..شدي حيلك يا حاجه ..أحمد خلاص ...

لن تضميه في حضنك مرة أخرى لتمنحيه الحنان الذي كان يعينه على قسوة الحياة والفقر...

لم يعد هناك من يقبل يديك كل صباح

ولا من يصحبك للطبيب

ولا من تقولي له مشفقة على أحواله المادية "متجبش الدوا كله"

فيمنحك ابتساة دافئة ويرد"صحتك أهم من فلوس الدنيا"

سيمكنك من الليلة أن تنامي مبكرا ياحاجه فلم يعد هناك من تسهري لتطمئني علي عودته...

مات وحيدك وانيسك ..

مات لأنك أحسنت تربيته

مات لأنه كان رجلا وحرا

لاتندهشي يا ام أحمد ففي مثل هذه الايام السوداء التي نعيشها لا يموت الا الرجال والاحرار..

اما العبيد وأنصاف الرجال والمخنثين فلا يموتون سيعيشون طويلا و سيطلون عليكي الليله وكل ليلة من شاشات التلفاز ليحللوا ويبرروا ويخبروك بكل وقاحة وانحطاط أن ولدك وضناكي وكبدك وكذلك الشيخ عماد والدكتور علاء وكل الزهور التي ذبلت قبل أوانها ليسوا أبطالا ولا شهداء كما تظنين انهم بلطجية وجواسيس وعملاء...لا تندهشي لأنهم لم يكتفوا بقتلهم ولم يكتفوا بحرقة قلبك وقلوبنا عليهم وقرروا أن ينبشوا قبورهم ليقهرونا ويميتونا كمدا وغيظا

لا تندهشي إطلاقا فمن يمثل بالجثث ويلقى بها في الزبالة يمكنه ان يفعل ويقول أي شئ

ثم كيف اصف هذا الكم الهائل من الأسى والحزن والمرارة الذي أصبح يعشش في آلاف البيوت المصرية التي فقدت أحباءها أو أصيب ذويها بعاهات مستديمة وفقدوا نور أبصارهم.. أي كلمات مثلا يمكن أن ترضي ابنة احمد حرارة عندما تسأله بنبرةحزينه لماذا لم يعد يذاكر معها ولم يعد يبني لها بيتا من المكعبات كما تعودت

هل سيرضيها ان نقول لها بابا يا حبيبتي فقد بصره بس حافظ على كرامته وحريته. (هل حافظ عليهما حقا؟)

بابا انبل واطهر من ناس كتير عندها عينين ونياشين ورتب بس معندهاش ضمير ولا قلب...

هل سترضيها او تقنعها اوتعوضها تلك الكلمات؟ .

كل الكلمات تقف عاجزة عن التعبير كل الكلمات الان تبدوا مبتذله وسخيفة...حتى هذه الكلمات.

وعلى الناحية الاخري كيف يمكن أن أصف من قرر ومن نفذ بهذه الوحشيه وذلك السعار؟,كيف هبط الجندي المصري الى هذاالانحطاط والوحشية؟ كيف يمكن اصف ذلك الكائن الذي له شكل البشر الذي ضرب إمرأة فوق الستين بالعصا وبالشلاليت؟ وكيف سولت له نفسه هذه الفعلة الدنيئة؟ أي كلمات تعبر عن قذارة ووضاعة ذلك الضابط الذي خلع حجاب الفتاة وعراها وسحلها من شعرها؟أو ذلك الذي وقف يتبول على المتظاهرين؟ أي كلمات يمكن ان تعبر عن مشاهد الضرب الوحشي والغير آدمي الذي تعرض له الشباب والشابات الذين سقطوا على الارض أثناء محاولة الهروب فتجمع علي كل واحد منهم أكثر من ستة أو سبعة كلاب مسعورة إنهالوا عليهم ركلا وضربا بالعصا في كل انحاء اجسادهم برغم انهم لم يقاوموا

ولم يتركوهم الا بعد أن اصبحوا جثث بلا حراك

ثم مر عليهم كلب آخر يقلب المساكين بالعصا وكانه يتفقد كلب ميت فاذا شعر منه بأي حركه انهال عليه مجددا بالعصا حتى يفقده الوعي أو يقتله لا يهم.

كيف يمكن أيضا أن أصف تلك الكائنات الغريبة التي تبرر هذه الافعال وتؤيدها ثم تطرش في وجوهنا عبارات مقززة كالقئ من عينة.. احسن!!...عشان يتربوا!!... أو يتحدثوا عن السيدة أو الفتاة قائلين..إيه اللى نزلها؟؟

كيف يوصف هؤلاء ؟وهل يكفي أن نجيبهم أن تلك الفتاة نزلت لأنها ببساطة أرجل منك ومن أمثالك أوهل يكفي أن نطلب منهم أن يبتلعوا طراشهم ويذهبوا لمشاهدة توفيق عكاشة ليتبول في أمخاخهم كما تعودوا؟

وأي كلمات تصف مؤتمر الدعارة الاعلامية الذين عقده الشايب العايب ليخبرنا ان الجيش لم يستعمل العنف؟

ياخي..(تيييت).. تسعة ماتو وتلتميت مصاب وما استعملش العنف...امال اللي شوفناه ده ايه الكاميرا الخفية..

ماهذا العبث الى هذه الدرجة الاستهتار بنا وبعقولنا..ألم تتعلموا الدرس..لقد ثرنا على المخلوع وعصابته ليس لأنهم يسرقوننا فقط ولكن لأنهم لم يحترموننا بل وكانوا يحتقروننا ...

حين كان يخرج علينا احد كلاب العصابه القديمة لينكر أي تزوير أو فساد كان الدم يغلي في عروقي لأني أعلم أنه يعلم تمام العلم اننا شاهدنا التزوير والفساد بأعيننا وأننا لا نصدقه ولكنه يخرج علينا بمنتهى البرود ليخبرنا بعكس ما نراه لأنه متيقن أن أحدا لن يجرؤ أن يقول له ..أسكت....أسكت ياكداب يابن الواطي ياكلب...

وهاأنتم تخطئون نفس الخطأ وكأنما عميت أبصاركم وقلوبكم.

واخيرا كيف أصف مشاعري أنا وحنقي انا وعضبي انا وغيظي وقهري وحزني وألمي وجرحي ومرارتي وإحباطي أنا أي كلمات يمكن ان تخفف من الغضب الذي يعوي بين جنباتي ومن الاسى الذي ينهشني والنار التي تكوي قلبي على الورد الذي ذبل قبل الاوان ليمنحنا نحن الحياة...ومن سيجيب على كل تلك الاسئلة التي تكاد تفتك بعقلي

كم شهيد يجب أن يقع حتى ننال حريتنا ؟فليخبرنا مجلس الشؤم كي نقدم له القربان وننتهي .

الى متى ستظل مصر تنزف اطهر وانبل دماؤها ؟

الى متى ستظل أرواحنا وعزتنا وكرامتنا مستباحة ومرهونة بقرار يتخذه رئيس أو مشير؟

والى متى سيجد القتلة من يبرر لهم أفعالهم الوحشية والدنيئة؟

والى متى سيستمرون في اعتبارنا مجموعة من الخراف والنعاج التي يجب ان تساق بالعصا والرصاص والغازات السامة؟

والى متى ستستمر هذه الفترة اللعينة؟

والى متى سأظل اكتب مثل تلك الكلمات؟

والى متى ساذيل كلماتي بتلك العبارة



"هذه كلمات حقيقية دم طازج ينزف من جرح عميييييييييييييييييييق كتابتها كانت بديلا عن الانفجار"

الأحد، 4 ديسمبر 2011

ذكريات تداعب الذاكرة3

"بيت عمتي"
أدخل غرفتي الجديدة فيصفعني لون جدرانها الاصفر الشاحب ويثير في قلبي الانقباض ,القي بحقيبتي بلا مبالاة وابدل ملابسي على عجل ووخزات البرد تكاد تفتك بي اغوص بسرعة تحت البطانية باحثا عن الدفء واتقلب في السرير بلا فائدة...أهدأ قليلا واستقر على جانبي الايمن محملقا في فراغ الحجرة الصغيرة الخالية من الاثاث عدا دولاب صغير يطل على من ركنها في شماته مذكرا اياي بوحدتي واحباطي ثم سرعان ما يبعث في لونه المعدني مزيدا من الشعور بالبرد والغربة...اغطي وجهي بالبطانية واحكم الغطاء تحت قدمي كعادتي وأبدأ التجول في أروقة الذاكرة بحثا عن ذكري ما تبدد ذلك البرد القاتل وتبعث الدفء في قلبي...دون تردد اتجه نحو الركن الذي خبأت فيه بمنتهى العناية أعذب وأسعد ذكريات الطفولة..ذكرياتي مع بيت عمتي
تسكن عمتي في الزقازيق التي تبعد عن قريتنا الصغيرة بحوالي ثلاثين كيلو مترا تقريبا ..
في هذه القرية نسكن في مبني واحد أسرة أبي في الطابق الثاني وأسرة عمي في الطابق الارضي ويلاصق المبني بيت جدتي العتيق الذي تشع الحياة من كافة أركانه
ظلت أسرة عمتي تزورنا كل خميس بانتظام لسنوات طويلة.... كل خميس تشرق علينا كشمس شتوية دافئة وهادئة وحنونة ومبهجة ثم بدأت الخمسان تتباعد رويدا رويدا بمرور الوقت حتى كادت تنقطع الى ان انقطعت بالفعل بوفاة جدتي في نفس العام الذي دخلت فيه امريكا الى العراق, واصبحت الزيارات بعدها متقطعه ومقتصرة على الاعياد والمناسابات وان ظلت محتفظة بالدفء والانس والبهجة
كان الخميس الذي يزورونا فيه يوما مميزا ويبدا الاستعداد له من الصباح الباكر وربما قبلها بيوم فلابد أن نتأكد من وجود الجبنة الفيتا ونوصي على شراء العيش الفينو لأجل العشاء والافطار لأن محمد لا يأكل من خبزنا الفلاحي اما الغداء فلابد أن يحتوي على ملوخية وفراخ بيضا أيضا لأن محمد تقريبا لا يأكل غيرها وأحيانا أذهب لأمي عزيزة العريضة (هكذا كان لقبها) لتأتي لطهو الكسكسي وذبح دكر البط الذي تلقي معاملة الملوك طوال الاسبوع الماضي تمهيدا لتقديمة في تلك الوليمة.
تستفيد امي أيضا من زيارة عمتي فعمل الواجب المدرسي فور العودة من المدرسة حتي لا يشغلني شئ عن الجلسة العائلية مساءا هو حجة قوية وسماع الكلام حتى لا تشتكيني لعمتي هو أيضا حجة مقنعة وحتى عدم لعب الكرة حتى لا تتسخ ملابسي قبل أن تراني عمتي والولاد(اشارة الى احمد ومحمد)هوأيضا حجة في غاية الوجاهة وحده الاستحمام في الشتاء هو الذي كان يلاقي اعتراضا كبيرا لا يلين حتى تحت تهديد الشكوي لعمتي مما يضطر أمي ان تهتف باستسلام"طب تعال امسحلك رقبتك وودنك بفوطة مبلولة"
بعيد صلاة العصر ارتدى أبهى ملابسي وانتظر في البلكونه شاخصا تجاه الطريق وما أن ألمح السيارة اللادا الحمراء حتى تنفرج أساريري واهبط سلالم البيت قفزا لأكون اول المستقبلين افاجأ باسامة الذي كان منتظرا على مدخل القرية وهويجري اما السيارة المتهادية هاتفا " إعميمه إعميمه" تقف السيارة أمامي مباشرة ويهبط منها أحمد و محمد ثم عمتي وعمو مشهور الذي يسلم على وعلى أسامة مبتسما ومقلدا اياه "إعميمه" أذهب للسلام على عمتي فتمنحني حضنا منعشا ثم اسلم على احمد ومحمد واحتضنهما بود كبير يليق بحبي لهما
ندخل جميعا فتتعالى السلامات وعبارات الود والترحاب واجلس انا في ترقب ناظرا الى حقيبة عمتى الصغيرة تمر الدقائق ببطء وانا مازلت على نظرتي وترقبي ثم تسألني عمتى عن نهى وهي تمد يدها الى الحقيبة تصل الاثارة بداخلي الى أقصى درجاتها واجيب بلامبالاة "ماما بتسرح لها زمانها نازلة" تمد عمتي يدها بثلاث أكياس بلاستيكية صغيرة قائلة"خدوا الحاجات بتاعتكوا " نقفز مسرعين اسامة وياسمين وانا ويختطف كل منا أحد الاكياس ونفتحه بلهفة لا يوجد مبرر لاخفاءها نتفحص الغنيمة بنهم فنجد الكيس ملئ بالحلوي والبنبون الذي لا يوجد مثيله في دكان عم عبده ...اغلق كيسي جيدا ثم اسأل عمتي في براءة مصطنعة" انا طالع فوق تجيبي الكيس بتاع نهي اديه لها؟" فتجيب عمتى بعفوية "خد" اختطف الكيس واجري قبل أن تفضحني ابتسامة انتصار لا اقوى على كبحها واقف على بسطة السلم لانتقي منه ما خف وزنه وغلا ثمنه ثم ألقيه بلا اكتراث في حجر نهى التى مازلت امي تسرح لها.
اعود للجلسة الممتعة.. عمو مشهور يحكي لنا عن آخر طرائف جدو السيد او يحكي لنا أحمد أومحمد اخر نكته ضحكة صافية من هنا على قفشة ظريفة من هناك يمر الوقت ويستأذن عمو مشهور للذهاب الى الحسينية وينفرط عقد الجلسة بذلك ونذهب نحن الاطفال للعب أو لمشاهدة التلفزيون وفي اليوم التالي يأتي عمو مشهور مساء لا صطحاب الاسرة الى الزقازيق فتتكرر نفس جلسة الامس بنفس الدفء والبهجة وفي ساعة متأخرة من الليل يذهبوا فينفرط عقدنا من جديد في انتظار الخميس التالي
في أجازة الصيف أذهب لقضاء أسبوع على الاقل عند عمتي في الزقازيق ولي هناك ذكريات عزيزة جدا وطريفة خاصة في شقتهم القديمة الصغيرة خلف المحافظة..حيث الكمبيوتر الصخر ولعبة الساحرة التي ما أن مللنا منها حتى بدأنا نذهب لمحل العاب كمبيوتر مجاور اسمه اوركيد...لعب الكرة مساء في الشارع مع وائل الديب وحسام وبكر ومحمد عبد الجواد الذي كان يثير الخوف في نفسي حيث كان يبرز له ورم ما على جبينه عندما يبذل مجهود كبير أو يغضب مما جعلني اتحاشاه ...معاكسة سكان الشوارع المجاورة عن طريق الانتركم ثم الجري مسرعين وقد امتلئنا بنشوة المغامرة ....سوبر ماركت البكار يوم ذهبت مع محمد لشراء عيش فينو فاذا بي أسبق محمد بالكلام واسأل البائع بثقة مفتعلة " عمو فيه عيش كوزان" ينظر لي البائع باستغراب فيسارع محمد "عيش فينو" اشعر بالحرج....اذكر أيضا حين كنت احلي الشاي ذات مرة فاوشك غطاء السكرية أن يقع على الارض وعندما حاولت ادراكه أوقعت الغطاء والسكرية نفسها وكوب الشاي...وددت وقتها لو تنشق الارض لتبتلعني الارض لكن عمو مشهور هون علي بابتسامة حنونه وصادقة وهو يهتف "يا أرعن"
وحتى عندما رحلت أيام الطفولة المبهجة واتت مرحلة الشباب الاقل بهجة ظلت زياراتي لبيت عمتى يوم الثلاثاء من كل أسبوع أثناء عملي بمرور الشرقية من أحلى واعذب اوقات حياتي حيث الطعام اللذيذ الشهي والذي مازال تذكره يسيل لعابي حتى الان من فرط حلاوته ثم اللجلسة الاسرية الدافئة والمبهجة التي ينيرها عمو مشهوره بحضوره الطاغي وثقافته المبهرة أو احمد بخفة ظلة الفائقة وقدرته على انتزاع الضحكة من اعماق قلبي أو محمد بهدوءة ورزانته التي لا تخلو من ظرف وطبعا عمتي بحنانها الذي يغمرنا جميعا وقدرتها الفائقةعلى الاستماع والاحتواء والمساندة.
أمسك كل تلك الذكريات بين راحتى واحتضنها طويلا ثم أضعها برفق في نفس مكانها من الذاكرة وقد ملأني الدفء وفاض ليملأ الغرفة كلها يصاحبه شعور عميق بالامتنان لعمتي وعمو مشهور واحمد ومحمد....وفجأة يطل على شعور متطفل بالاستغراب من ألا أجد في ركن الذكريات العذبة أي ذكري لأسرتنا الصغيرة أبي وامي واختي نهى وانا ...اعود لأبحث من جديد فلا أجد سوى صور مبتورة ومشاهد مشوشة لا نظهر أربعتنا مجتمعين فيها ابدا فإما امي غير موجودة أو ابي....يصدمني ذلك الشعور ويبدد بعض الدفء الذي اعتراني لكنه على العكس يزيد من شعوري بالامتنان تجاه أسرة عمتي...وأفكر لو أنهم معي الان" عمتي واحمد ومحمد"فأمنحهم حضن كبيييييييييير وطويل يمتد عبر الزمن بعمق حبي لهم...ثم اقرأ الفاتحة على روحا أبويٌٍِِ سعيد ومشهور...وبعدها اخلد للنوم هادئا ودافئا وممتنا.