الاثنين، 23 سبتمبر 2013

في المطار (الطبعة الثانية - منقحة ومزيدة) - الحلقة الاولى


الساعة السابعة مساء
 مازال امامي ثمان ساعات قبل ركوب الطائرة
الصالة رقم3 التي اجلس فيها منظمة وأنيقة لدرجة تشعرك انها ليست في مصر
شئ مزعج ان تشعر ان كل ماهو نظيف ومنظم ليس في مصر
مزعج لكنه منطقي
الصالة بها مكانين للانتظار مجهزين بمجموعة من المقاعد المريحة احد المكانين في نهاية الصالة والاخر الذي اجلس فيه في المنتصف 
المقاعد موضوعة في مواجهة بعضها البعض ولكني جلست بحيث يكون وجهي ناحية باب الدخول لأتمكن من ممارسة عادتي الاثيرة في المراقبة والتأمل 
كانت الواجهة الزجاجية للصالةعلى يميني بينما مكاتب شركات الطيران وبوابات التفتيش والجوازات وبوابات ركوب الطائرة على اليسار.
مضي وقت طويل لم امارس خلاله هذه العادة 
كنت اثناء اقامتى في القاهرة اذهب لمحطة مترو جمال عبد الناصر واجلس هناك اراقب المارة والعابرين 
من ملامحهم وتعبيرات وجوههم اتوقع حالتهم النفسية واتخيل حياتهم ووجهاتهم
ذلك الشخص المتأنق المبتسم الذي تبدو عليه السعادة لابد انه ذاهب لمقابلة حبيبته التي ولسبب لايعلمه يظن خطأ انه سيتزوجها
وتلك التى تجر خلفها ثلاثة أطفال مكفهرة الوجة لابد انها عائدة من بيت والدها
 عائدة لهم الطبيخ والغسيل وطلبات زوجها التي لا تنتهي
كنت أجلس هكذا متسمرا في مقعدي لساعات طويلة شاردا في احوال الناس وقصصهم التي لاتنتهي 
وبمرور الوقت اشعر اني غير مرئي تعبرني العيون كاني جزء من ديكور المكان اعتادوه او ربما لم يروه من الاساس
                                                        ---------------------------
على اليمين امامي تجلس امرأة متصابية في الاربيعينات من عمرها
اطنان المكياج التي غطت بها وجهها والوان ملابسها الزاعقة والغير متناسقة توحي انها محدثة نعمة ذوقها ردئ
المح علي وجهها اثار حرق قديم لم تنجح المساحيق في اخفائه
تتظاهر باللامبالاة والثقة و تقتل الوقت بتعديل وضع حجابها الذي ينحسر متعمدا كل دقيقة 
كاشفا عن خصلات شعرها الامامية المصبوغة بصبغة رديئة
على الرغم من تظاهرها بالعكس الا ان جلستها وحركاتها ونظراتها تشي برغبة شديدة في لفت الانظار وجذب الانتباه
يبدو عليها الحزن الممزوج بيأس غير قابل للأمل
أسرح بخيالي وافكر انها قد تزوجت متأخرة بعد ان تخطت الثلاثين
تقدم لها رجل في عمر والدها متزوج وله خمس بنات لكنه يرغب في الولد
غني 
سافر الى الخليج قبل عشرون سنه كون خلالها ثروة كبيرة وكرش ضخم والان يبحث عن وريث
سنه الكبير وفكرة الزوجة الثانية جعلاها ترفض من البداية وازداد رفضها بعدما راته
كرشه الكبير الذي يمشي أمامه حيث ذهب
نظرته اللزجة
طريقتة في الحديث بتلك اللهجة الكريهة التي يتحدث بها المصريون المقيمون في الخليج حيث يقحمون الكلمات الخليجية في حديثم ولكنهم ينطقونها بالطريقة المصرية مما يجعل حديثهم يبدو ممسوخا ومنفرا
كل هذا جعلها تصر على الرفض
لكن والدها كان يعتبر الامر فرصة لن تعوض ..

 - بنتك عدت التلاتين وفقيرة وشبه مشوهه كات فاكره من هيتقدم لها؟ ابوتريكة؟
 - أصلها كانت بتحلم بـ....
 - بتحلم!!!؟؟ الفقرا اللي زينا ما بيحلموش اللي يتحط قدامهم ياخدوه .. وبعدين بصراحة دي فرصة لينا كلنا الراجل عايزها بشنطتها وكمان هيدفع مهر عشرين الف جنية نجهز بيهم اختها
 فوقي وفوقيها ..

اخترقتها كلماته كرصاصات 
اجتاحتها 
كأن أحدهم القمها حجرا صلبا وحادا يمزق احشاءها
لم تغضب منه 
انه لم يفعل أكثر من أنه قال الحقيقة
قالها كما هي خشنه ومدببة وقاسية
كل ما فعله انه عراها 
خلع عنها ملابسها ومكياجها وأكاذيبها واوهامها ثم وضعها امام المرآة 
تحسست الحرق الذي يحتل نصف وجنتها اليسرى ممتدا الى الرقبة ونظرت لنفسها في المرآة وهي تفكر
متى لم تكن الحقيقة قاسية 
حقيقة البشر وحقيقة الحياة
وحقيقتها

(موافقة)
قالتها بلهجة حيادية باردة
ثم دخلت حجرتها واغلقت الباب واستسلمت للبكاء
______
ثلاث سنوات من العذاب مروا كالدهر
خمس محاولات فاشلة واخيرا استسلموا وايقنوا من عدم قدرتها على الانجاب بعد ان اجرت عملية لاستئصال الرحم
حاول تطليقها وارسلها فعلا لبيت اهلها في مصر
لكن والدها الذي اصيب بالذعر توسل لكل معارفه لاثناؤه عن الطلاق
حسبها الزوج بعقلية تاجر الاجهزة الكهربائية البخيل ووافق بشرط الا يكون لها بيت منفصل وتسكن معهم في بيت الاسرة
أعادها وبعد اسبوع طرد الخادمة الفلبينية
منذ عودتها لم ينظر لها ولم يحدثها 
الجميع يتحاشونها ويتجاهلونها كانها غير موجودة 
طيف اوشبح غير مرأي
"مروحة اشتراها ثم وجدها لا تعمل لم يستطع اصلاحها ولا التخلص منها"
هكذا تحدث عنها مع احد اصدقاؤه
 وهكذا تشعر هي
وحدها "سمية" ابنته الوسطى هي التي تخفف عنها 
الفترات التي تقضيها معها في حجرتها لتحكي عن مغامراتها اليومية في المدرسة او تنقل لها اخبار الفيس بوك الذي لا تعرف عنه شيئا كانت سببها الوحيد للبقاء على قيد الحياة
كانت دائما تخفف عنها وتواسيها اذا اساء لها والدها أو والدتها  وكانت تستمع لشكواها في صبر وتحضنها بحنان حقيقي لم تجده من احد سواها
الاسبوع الماضي تزوجت سمية
في اليوم التالي  للفرح سافر الاب ليلحق باعماله واخذ معه بقية الاسرة
;كانت هي التي حففتها وهي التي شرحت لها ما يحدث ليلة الدخلة 
وهي التي بقت لترعاها في اسبوعها الاول من الزواج ولم تتركها الا بعد ان احتفلوا بسابعها معا
بقدر ما فرحت لها بقدر ما شعرت بالرثاء لنفسها
وهاهي اليوم تعود الى الخليج
ولاول مرة ستدخل البيت ولاتجد سميه
لتجلس هناك في حجرتها 
وحيدة
 ومهملة
ـــــــــــــــــــــ
يتبع......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق